التعامل مع مشكلة صحية واسعة الانتشار
(من فريق مجلة بازار)
يُعَدُّ السكري مرض شائعًا جدًا في الكويت، حيث تشير الدراسات إلى أن الكويت تُصنَّف من بين الدول ذات أعلى معدلات الإصابة بالسكري في العالم. حيث أن 15% من سكان الكويت البالغين مصابين بالمرض، وذلك نتيجة لعدة عوامل مثل نمط الحياة، والنظام الغذائي، والوراثة. وقد تكون جهود إدارة هذا المرض معقدة وصعبة، ولكن تلقي التوجيه المناسب يمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير في حياة المريض. في هذا الحوار مع الدكتور ثامر العيسى، نستعرض التصورات الأساسية حول مرض السكري، بما في ذلك فهم المرض، وإدارة مستويات السكر في الدم، وخيارات العلاج، والتغييرات في نمط الحياة، والنصائح المهمة للمحافظة على جودة الصحة على المدى الطويل. فسواء تم تشخيصك مؤخراً بمرض السكري أو كنت تتعايش معه لسنوات، فإن هذا الحوار يوفر معلومات قيّمة لك تساعدك على الاهتمام بصحتك وإدارة هذا المرض بثقة ونجاح.
الدكتور ثامر العيسى هو استشاري أمراض الغدد الصماء والسكري، فهو يقدم العلاج والمتابعة لحالات السكري واضطرابات النظام الهرموني. يقول الدكتور ثامر: “ما جذبني إلى هذا التخصص هو آلية عمل الهرمونات في الجسم. إنها فعلاً مدهشة في تأثيراتها. لدينا العديد من الهرمونات التي تُفرز من غدد مختلفة في الجسم، ولكل منها دورٌ محدد في تنظيم وظائف الجسم المختلفة، مثل ضغط الدم، ووزن الجسم، والتمثيل الغذائي، والجلوكوز الذي يعد العامل الرئيسي في الإصابة بمرض السكري.”
يعكس مرض السكري عدم قدرة الجسم على استخدام الجلوكوز، أو ما يُعرف بالسكر، كوقود للخلايا، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم. وإذا لم يتم علاجه، فإن ذلك قد يتسبب في أعراض ومضاعفات خطيرة.
يمكن تقسيم مرض السكري إلى أربعة أنواع رئيسية. يُصاب الأطفال والمراهقين غالباً بالنوع الأول من السكري، وذلك نتيجة إلى نقص إنتاج الإنسولين من البنكرياس. للأسف، حتى يومنا هذا لا يمكن الشفاء من هذا النوع من السكري، ويمكن التحكم فيه فقط عبر تناول الإنسولين مدى الحياة.
أما السكري من النوع الثاني، فيصيب عادةً البالغين ومن أبرز أعراضه ارتفاع مستويات السكر في الدم. وعلى عكس النوع الأول من السكري، فإن المصابين بالسكري من النوع الثاني غالبًا ما يكون لديهم مستويات طبيعية أو مرتفعة من الإنسولين، ولكن تتكون لديهم مقاومة للإنسولين مع الوقت تساهم في منع استجابة الخلايا بشكل فعال، مما يؤدي إلى اختلال في تنظيم السكر في الجسم. ترتبط هذه المقاومة للأنسولين بعوامل مثل السمنة، الإفراط في تناول الكربوهيدرات، وقلة النشاط البدني. كما يلعب العامل الوراثي دورًا مهمًا في تطور هذا النوع. ولحسن الحظ، يمكن أن تؤدي التغييرات في نمط الحياة، مثل اتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة الرياضة، وفقدان الوزن، إلى تحسين هذه الحالة. كما تتوفر له علاجات كالأدوية الفموية والحقن. ويُعَدُّ النوع الثاني من السكري النوع الأكثر شيوعًا في العالم.
سكري الحمل هو نوع يحدث فقط أثناء الحمل نتيجة لزيادة الهرمونات التي تدفع نحو مقاومة الإنسولين، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر عند الحامل وحتى نهاية حملها. وفي هذه الحالة يكون العلاج مؤقتًا، سواءً من خلال تغيير النظام الغذائي، أو عبر تناول الأدوية أو الإنسولين. وهناك أنواع نادرة أخرى من السكري تنتج عن مسببات وراثية.
وعلى الرغم من انتشار مرض السكري، إلا أنه لا تزال هناك العديد من المفاهيم الخاطئة حوله. يعتقد البعض أن النوع الأول من السكري هو حالة مؤقتة، أو أن استخدام الإنسولين له ضرر على صحة المريض. لكن في الواقع، الإنسولين هو العلاج الفعّال الوحيد للتحكم في السكري من النوع الأول. بالنسبة للأنواع الأخرى، يوجد اعتقاد شائع بأن تغيير النظام الغذائي أو استخدام الأعشاب قد يعالج المرض أو حتى يشفيه. لكن في الحقيقة، مرض السكري هو اضطراب صحي معقد يتطلب علاجات متخصصة تستهدف الآليات الأساسية المُسببة للمرض لتحسين التحكم في مستويات السكر. وللأسف، يلجأ العديد من الأشخاص إلى علاجات غير مثبتة علميًا بناءً على نصائح استمعوا لها أو شاهدوها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد يتوقف بعضهم عن أخذ العلاجات الطبية الموصوفة واتباع هذه البدائل، مما قد يسبب خطورة على صحة المريض. يقول الدكتور ثامر: “لقد رأيت العديد من المرضى الذين تفاقمت حالتهم لأنهم توقفوا عن أخذ العلاج وجربوا علاجات غير مثبتة علمياً.”
تبني نمط حياة صحي يمكن أن يساعد في تحسين السكري من النوع الثاني وتقليل خطر الإصابة به. فالمحافظة على وزن صحي للجسم يساعد في منع مقاومة الإنسولين، والتي تعد عاملاً أساسياً في ارتفاع مستويات السكر. تُساهم التمارين الرياضية المنتظمة في تعزيز التمثيل الغذائي، وحرق الدهون المخزنة، ولها فوائد مشابهة لتناول بعض أدوية السكري. كما يُنصح بممارسة التمارين متوسطة الشدة، مثل الركض، وركوب الدراجات، أو السباحة، لمدة لا تقل عن 150 دقيقة أسبوعيًا موزعة على 5 أيام. ويُفضل أيضًا ممارسة تمارين القوة مرتين أسبوعيًا لمدة 20 دقيقة تقريبًا، لما لها من فوائد في بناء العضلات وتحسين قدرة الجسم على التحمل.
كذلك يُعتبر النظام الغذائي عاملًا علاجياً مهمًا، حيث يمكن أن يساعد تقليل استهلاك الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات والدهون، مثل المعجنات، الأرز، الخبز، البطاطس، والحلويات، مع زيادة تناول البروتينات الخالية من الدهون، والكربوهيدرات المعقدة، والخضروات الطازجة، والبقوليات، ومنتجات الألبان قليلة الدسم، في خفض مقاومة الإنسولين.